ARTICLES in Arabic     مقالات فى الفن التشكيلى 

المدرسة الشعبية والفن التشكيلى  |

  |  سؤال وجواب حول الفن التشكيلى  |

  | ميلاد الفن التشكيلى -  من المنشأ الى المأزق | 

   | لمحة عن الفن التشكيلى فى القرن العشرين - بين التقليد والإبداع |


 سؤال وجواب حول الفن التشكيلى
معلومات أولية للهواة

أولا :   تشكيل ماذا ؟
إن ما تراه العين من أشكال وألوان, له عدة جوانب ظاهرة وباطنة. والفن التشكيلي هو الذي يعيد إكتشاف الواقع ممزوجا بالخيال ... ورؤية الفنان التشكيلي هي وجهة نظره الخاصة وهي التي تثير التأمل والتساؤل وتثري خيال المتلقي وتسلط الضؤ علي الكثير من جوانب الواقع التي قد تبدو خفية 

ثانيا : ما هي أدوات الفنان التشكيلي ؟

الأدوات الرئيسية التي يلجأ إليها الفنان في الواقع هي الخامة واللون والأسلوب والتقنية. وفي كل هذه المجالات فهو حر تماما في إختيار ما يناسب رؤيته لتنفيذ العمل الفني.

ا -  الخامة : قد تكون من القماش أو الحرير أو الخشب أو المسطحات الخشنة المختلفة وغيره.

ب -  اللون :  قد يكون

 ألوان مائية -  أكواريل

ألوان أكريليك ( المذابة في الماء) والتي تعطي تأثير الألوان الزيتية

ألوان الجير الملون (الباستيل)

ألوان الفحم الأسود

ج- الأسلوب

وهو ما يطلق علي المدرسة الفنية التي يتبعها الفنان وهي عديدة منها

المدرسة الإنطباعية.

المدرسة التكعيبية.

المدرسة الوحشية.

البورتريه.

المدرسة الفطرية الشعبية.

المدرسة التجريدية.

المدرسة السريالية.

وكثيرا ما تندمج أكثر من مدرسة في العمل الواحد, إلا أن قراءة اللوحة من المتلقي الواعي هي التي تحدد الإنطباع العام للعمل الفني ويختلف هذا الإنطباع بين متلقي وآخر

د- التقنية

التقنية الفنية هو ما يطلق علي أسلوب الفنان في التعامل مع اللون والخامة, ويتباين هذا الأسلوب من فنان إلي آخر. ومن بينها

 التلوين المسطح ( أي بدون اللجوء إلي وضع اللون بشكل كثيف وبارز فوق سطح اللوحة )

التلوين بإستخدام السكينة: ( يظهر السطح غير أملس ومليء بضربات السكينة الخشنة والملامس المتنوعة).

التنقيط: ( إستخدام بقع ونقط وخطوط منتظمة بإيقاع ثابت في كل كتلة ملونة .

ثالثا : الفن التشكيلي والحضارات

لولا الفن التشكيلي لما توصلت الحضارات ولما إستطاعت البشرية الحفظ علي تراثها عبر العصور. فبفضل الفن التشكيلي عاشت الحضارة الفرعونية وكشفت لنا عن كنوز من المعرفة وخلاصات التجارب الأنسانية العديدة في كل مجالات الحياة. وتشهد علي ذلك آلاف المخطوطات واللوحات التي رسمها قدماء المصريين علي ورق البردي وفوق جدران المعابد. وفي العصر الحديث يستطيع المتلقي أن يتعرف علي ثقافة أي شعب من خلال زيارة معارضه الفنية ةالإطلاع علي ما توصل إليه فكر وفلسفة ورؤية هذا الشعب لكثير من جوانب حياته اليومية ووجهات نظره حول الواقع الذي يعيشه وإنطباعاته حول العديد من الأمور الإجتماعية والثقافية والسياسية...

وصدق من قال أن الفنون هي مرآة الشعوب

عودة
 


 

المدرسة الشعبية والفن التشكيلى :

إن الفنون التشكيلية فى العصر الحديث بدأت فى مصر متأثرة بالتعاليم والمناهج الأوروبية, على يد الأساتذة الإيطاليين والفرنسيين فى كلية الفنون الجميلة فى بدايتها فى القاهرة. وكذلك من خلال البعثات الخارجية وبسبب هذا التأثير الأوروبى على الفنون التشكيلية فى مصر بداية من الحملة الفرنسية والبعثات الأوروبية فى عهد محمد على باشا ثم أساتذة الفنون الجميلة... فقد أصبح الطريق إلى إيجاد بصمة مصرية صميمة محفوفا بالصعاب والتحدى. وألقى على عاتق العديد من الرواد الأوائل من الفنانين أمثال راغب عياد (1892- 1982) ومحمود سعيد (1897-1964) مهمة إعادة إكتشاف الهوية المصرية. ووجدوا فى الهوية المحلية المتأصلة عبر التاريخ نبع الإلهام الضارب فى جذور التاريخ. وبفضل هذا الجيل ظهر على مسرح الفنون أسلوب أصيل مما يمكن أن نطلق عليه "مدرسة الفنون الشعبية". وهو أسلوب فنى يتناول اللوحة التشكيلية فى مضمونها ورسالتها وأساليبها التقنية من خلال رؤية وثيقة العلاقة بالهوية المحلية الممتدة عبر التاريخ والتى كانت سائدة قبل التأثيرات الأوروبية. وهذه الهوية تستمد شخصيتها من تقاليد منمنمات الخطوط اللإسلامية وتقاليد الرسوم المصرية القديمة. فنجد أن المدرسة الشعبية فى الفن التشكيلى تتسم:

-  بحرية التعبير فى حركة الأجسام والأيدى والأرجل

- التكوينات المزدحمة العناصر كما هو مبين على سبيل المثال فى الفن المصرى القديم من حلول فنية مثل التصفيف (أى رص الكتل الواحدة بجانب الأخرى).

 - إهمال المنظور والإهتمام بالزاوية الجانبية فى رسم الأشخاص والحيوانات

- توزيع العناصر والموضوعات على مسطح اللوحة مع إغفال المقاييس والأحجام الذى تفرضه قواعد المنظور.

 وهى تقاليد فنية ينفرد بها الشرق على مدى التاريخ بالمقارنة بالرسوم الغربية.

  وأتاحت هذه الطريقة لفنانى المدرسة الشعبية الإكثار من العناصر المرسومة فى المساحة الضيقة التى تتيحها اللوحة, وتعتبر هذه الملامح من معالم غالبية أعمال الفنانين الشعبيين.

ويتضح من هذا أن المدرسة الشعبية فى الفن التشكيلى لديها الإحساس العميق بالتراث والبعد عن التبعية والتأثيرات الغربية.

وينتمى معرض (تصاوير وأمثال شعبية) للفنان نبيل لحود إلى هذه المدرسة الشعبية فى التعبير,

حيث يجد المتلقى فى لوحات المعرض عنصر الروح المصرية الصميمة كما تبدو فى جانبها الشعبى المتوجه إلى قاع المجتمع بأسلوب تعبيرى ربما يتسم بالسخرية أحيانا وبالبعد عن الفلسفة والتعالى والنظرة الأكاديمية الباردة. وقد توجه نبيل لحود فى لوحات هذا المعرض إلى البيئة من حوله بعين فطرية وتحدث بلهجة دارجة يفهمها الجميع وبقلب مفتوح, وبخطوط طفولية بها بعض المبالغة أحيانا تشكلت أبجدية لغوية بسيطة ومباشرة.

وتتميز الخطوط فى اللوحات بالقوة والتحديد باللون الأسود مبتعدة عن النعومة المرفهة والتفاصيل غير الضرورية شأنها فى ذلك شأن الرسوم الشعبية عبر التاريخ.

وقد إستوح نبيل لحود فى بعض لوحات المعرض بعض الأمثال الشعبية الدارجة مثل :

- اللى ينكسف من بنت عمه ما يجبش منها عيال.

- جيت أتاجر فى الحنة كترت الأحزان.

- ياقاعدين يكفيكوا شر الجايين.

- عد غنمك يا جحا واحدة نايمة وواحدة قايمة.

- القفة أم ودنين يشيلوها إثنين.

- اللى فى حضن أمه ما ينحملش همه.

- لقينى ولا تغدينى.

- قيراط حظ ولا فدان شطارة

عودة
 


ميلاد الفن التشكيلي

من المنشأ الى المأزق

في البدء كانت الرسوم البدائية هي الوسيلة الأولي للتعبير عن إنسان العصر الحجري . وقد عبرت الرسوم التى تم اكتشافها في كهوف الصين عن هذه الرغبة الأزلية عند الإنسان في نقل الانطباعات والأفكار فوق الحجر عن طريق النقش والنحت . ومن هذه الساعة ولد أول عمل فني تشكيلي  . ومن بين هذه الأعمال كان ذلك النحت المعبر عن خوف الإنسان من قسوة الطبيعة وضراوة الوحوش ورغبته في الانتصار عليها ...  فنقش علي جدران الكهوف شكل بدائي للثور الوحشي وهو يتهاوى أمام ضربات الصياد .

كانت أيام ثقيلة ويملؤها الغموض .. ولكن اذا به يكتشف الإنسان في داخله الوسيلة السلمية والذكية لتفريغ الشحنات والانفعالات التي تعتريه من غضب وخوف ورغبة في السرد والقصص والتواصل مع الآخرين.

واستمرت الأجيال البشرية المتعاقبة في اعتناق هذا الأسلوب في التعبير  ثم كان التطوير والتجديد وولدت بهذا أول قناة إعلامية ثقافية علي كوكب الأرض .

وتطورت الرسوم البدائية وأصبحت أكثر دقة ... وظهرت بمزيد من التفاصيل والأبعاد وخاصة عند اكتشاف الإنسان للألوان و تأثيرها في حياته .

وكانت الألوان الأساسية الأولي هي الأقرب إلي الطبيعة من حوله فوضع الإنسان يده علي اللون الأخضر (لون النبات) واللون الأزرق (لون السماء والبحر) واللون الأحمر (لون الشمس) واللون الأصفر (لون الرمال) . وقد تكونت بذلك أول (باليت) في التاريخ .

كانت اللغة الأولي قبل كل اللغات هي لغة الخطوط المرسومة قبل لغة الصوت والحرف والنغم .

وانطلقت مسيرة الرسم وتحولت تدريجياً عبر مئات الألوف من السنين من وسيلة تعبيرية أساسية للتواصل بين الأجيال والحضارات و نقل الواقع من جيل إلي جيل إلي أداة تعبير عن رؤى الإنسان لأفكاره الأكثر عمقاً ولمنحنيات أكثر تعقيداً في دهاليز النفس البشرية وبحث مضنى لاكتشاف مواطن الجمال والانسجام في الكون والإنسان والطبيعة .

وأطلق فنان لخياله العنان ولم يعد يتقيد بالواقع وتفاصيله التي تراها عينه المجردة . وإنما نراه يغوص في الأبعاد والأعماق محاولاً استنباط ابجدية بصرية جديدة لكل شيء بدءاً من الشجرة والبحر والجبل و انتهائا بالإنسان ومواقفه الحياتية وأحلامه وخيالاته .

فتفجرت طاقات إبداعية حرة ورؤي فنية مستقلة عن منظور النقل الحرفي للواقع .. وبمزيد من التمرد والرفض للمسلمات (كما هي طبيعة الفنان) تعددة أساليب التعبير من خط ولون وتكوين مما اطلق عليه النقاد(المدارس الفنية) .. و كما ان هناك قراءات متعددة ومختلفة للفكر الإنسانى عند الفلاسفة كان أيضا هذا الاختلاف في المنظور والتفسير عند الفنان التشكيلي للأشياء .

وقد لا يرى المفسرون لهذه الظاهرة أية غرابة أو تناقض ... وحجتهم في ذلك هو اختلاف مظاهر الكون نفسه فكما ان الله الخالق والمبدع الأعظم وضع في الكون عدد لا حصر له من ألوان وأشكال وإيقاعات وخطوط في الورود والجبال والبحار والرمال والحيوانات والنجوم والكواكب تنطق كلها بالوفرة والكثرة العددية من التباين والاختلاف . وكما لكل إنسان بصمه وملامح مختلفة  كذلك كانت إبداعات الفنانين لها أبجدية وملامح وطعم مختلف .

ولعل من أسباب سرور وإنتشاء متلقى الفن أنه يعبر فوق كل هذه الجسور والأساليب ويستنشق عبير كل مبدع ويقرأ فوق مسطح اللوحات والأعمال النحتية سطور من كتاب له ألف صفحة وصفحة وكل صفحة لها معناها الخاص وشخصيتها الخاصة وطعمها الفريد .

إنه الفن وإبداعاته ...

إنه العشق في ذاته ...

إنها حكمة الخالق في مخلوقاته ...

لكن...  ما هي علاقة الفنان التشكيلي بالأحداث الدائرة  وكيف يؤثر فيها وتؤثر فيه... علاقته بالمجتمع والناس.. . هل هناك مأزق؟! وإن كان فهل من مخرج ؟

هذا الحديث له بقية ...

عودة

 


لمحة عن الفن التشكيلى فى القرن العشرين

 بين التقليد والإبداع وبين الموضوعية والذاتية.

 

إستمر الفن التشكيلى خلال عصور الفن المختلفة لمئات السنين كلغة بصرية تعتمد فى الأساس على "الطبيعة الخارجية" كمصدر ومرجع للأفكار الفنية التشكيلية، وكتقليد ثابت وموروث تقاس جودة الأعمال الفنية بالإقتراب منه وتوصف بالضحالة كلما ابتعدت عنه.

 

كان تقليد الطبيعة ومحاكاتها هو البطل.

حتى أنه وصل الى تقليد ونقل غاية فى الدقة والإتقان المذهل لتفاصيل تفاصيل الموجودات كما يظهر بوضوح فى أعمال فنانى ما قبل القرن العشرين من إبراز لأدق صغائر الأشياء الحياتية مثال نسيج الأقمشة وتفاصيل الأرض والسقف وتجاعيد الوجه و خصلات الشعر وغيرها. وربما يظهر ذلك بوضوح فى أعمال فنانين مثل: "هانز هولبين" (1497 – 1543) و"فرانز هالز" (1580 – 1666) وحتى بعدها بقليل مع"فانسنت فنجوخ" (1853 – 1890) صاحب المدرسة "التأثيرية" التى لم تخرج من إطار الفن كتقليد يستلهم لوحاته من نماذج موجودة أمامه فى الطبيعة: كلوحة "غرفة نومه" و"عباد الشمس" و"الحقول المختلفة" و"صوره الشخصية" وغيرها...

 

كانت الطبيعة إذن هى الأم والمصدر والرحم الذى أنتج أفكار اللوحات التشكيلية فى تلك الفترة وبخاصة قبل إختراع الكاميرا الفوتوغرافية.

 

هكذا كان فنان تلك العصور يعتقد بأن الحقيقة الفنية موجودة "خارج" كيانه الإنسانى.. فهو يبحث عنها ويكتشفها ويسجلها كحقيقة بصرية لا تخطئها عين المتلقى.

ووصلت تلك الحقيقة البصرية الى ذروتها بوصولنا الى عصر النهضة الإيطالية فتكشفت قواعد المنظور والظل والنور وبدأت اللوحات تظهر ثلاثية الأبعاد. ومن شهود هذا العصر الفنانين: "مايكل أنجلو(1475-1564) و"ليوناردو دافنشى" (1452-1519) و"رامبرانت" (1606-1669).

 

وبالرغم من ذلك لا يمكن لأى متأمل أن يدعى أن تلك الأعمال كانت خالية من الإبداع لمجرد كونها أعمال تسجيلية لحقائق بصرية. وإنما بوسعنا ان نقول انها كانت اعمال فنية طغت عليها الحرفة والتقنية فأبعدت الفنان عن حريته التشكيلية وسجنته فى قالب من القواعد والأصول الرصينة والألوان المحددة والمتوارثة من الأساتذة السابقين بتعليمات لا يسمح فيه للتلاميذ بالإبداع وانما كان دائما الأصل بان يلتزم التلميذ بالمنهج الأكاديمى لإبراز الحقيقة البصرية الواقعية للحياة كما لو كانت صورا فوتوغرافية.

 

خلاصة القول أن الفن كتقليد كان يعنى محاولة محاكاة المرئيات فى العالم الخارجى والنقل الأمين لتفاصيلها.

 

ولكن عند الوصول الى مشارف القرن العشرين بدا للفنانين حقيقة جديدة وهى أن ريشة الفنان حينما تسجل الأشياء "بالعين" دون "الوجدان" فانها حتما تنتهى الى مجرد عملية تسجيل تتفوق عليها الكاميرا وآلة السينما بلا منافس.

وحيث أن الفنان هو فى الأصل إنسان لديه مشاعر ووجدان وردود أفعال ومواقف متباينة فقد أصبح يعتمد على ذاتيته واعتبرها اساس جديد ومنهل صادق فى التعبير والإبداع الفنى فى الفن التشكيلى.

 

و بعد أن كانت اللوحة هى "لقطة واقعية" أصبحت "فكرة إنطباعية".

وبعد ان كانت "رؤية بصرية" أصبحت "رؤية وجدانية".

 

ويستدل على ذلك بتجربة قام بها الباحثون على رسوم الأطفال:

فقد وضعوا طفلا أمام أطفال آخرين فى سن الثانية عشرة ليرسموه فلم يهتموا الا بالإنطباع الأولى دون تدقيق ولوحظ ان عددا كبيرا منهم اخذوا يرسمون من عقولهم وعند تحليل ما رسموه وجد أن عددا منهم رسموا زميلهم واقفا مع انه كان جالسا ورسموه ايضا بوجه جانبى الى اليسار وآخرين رسموه بوجه جانبى الى اليمين والرسوم فى مجملها غلب عليها الطابع الرمزى أكثر منه الواقعى.

وبدا أن ما رسمه كل طفل هو فى الحقيقة المضمون الفكرى والوجدانى كما يظهر فى مخيلة كل منهم، وهو ما يطلق عليه "منطق الإدراك الكلى".

وهذا المبدأ مطبق بوضوح فى الفن المصرى القديم – والفن الفارسى – والفن المكسيكى القديم.

وقد بدأ الفن الحديث فى القرن العشرين باعتناقه كمدخل لكشف الحقيقة الفنية من منظور جديد.

 

ودعنا نتصور مغذى الحقيقة الفنية المبنية على الإدراك الحسى البصرى وتلك المبنية على الإدراك الكلى.

لو رسمنا مثلا "المنضدة":

فاذا رسمناها وفقا للإدراك البصرى فسيظهر سطحها العلوى ووجهيها الأمامى والجانبى، اى ما نراه حين نطبق قاعدة المنظور.

أما الطفل حين يرسمها بادراكه الكلى فسوف يجمع بين السطح والجوانب المختلفة والأرجل الأربعة فى صورة واحدة. وبحسب منطقه هو انه يرسم المنضدة بشكل أكثر شمولا كما يراها حين يتحرك حولها..لأن الحقيقة لديه قد برزت متعددة الجوانب وكلها صحيحة.

ولهذا تحرر الفنان "بيكاسو" من الإدراك الحسى البصرى فى رسمه للوجه من زاوية واحدة، فرأيناه يرسم الوجه من أكثر من زاوية الأمام والجانب فى آن واحد، وكانت تبدو هذه المحاولات غريبة وصادمة حين بدأها خاصة لأولئك الذين تعودوا على الإدراك الحسى البصرى.

وربما انه من هنا قد بدأ التمهيد للتحول الى الرمزية فى الفن التشكيلى.

وبرز هنا التضارب بين ما يسمى "الحقيقة البصرية" و"الحقيقة الفكرية".

فالأولى ترتبط بميكانيزم الإدراك البصرى (ما تراه عينى)

والثانية تتعلق بالأفكار ( ما يراه وجدانى وعقلى).

والفرق بينهما كبير...

فالأولى مقيدة .. والثانية محررة.

الأولى منقولة .. والثانية مؤلفة.

الأولى ملتزمة بالأصل .. والثانية تحمل الإبداع.

 

..........

ولعلنا نصل بهذا التصور الى أن القرن العشرين قد اتجه الى الحقيقة الفكرية أكثر من اتجاهه الى الحقيقة البصرية التى قتلت بحثا وتمحيصا وتسجيلا خلال العصور السابقة.

أى الى "المفهوم" أكثر من "الملموس". وبرزت هنا المدارس التى تدعو الى "الرمزية" والتجريبية" و"التجريدية" و"الخداع البصرى" و"التكعيبية" وغيرها من المدارس الفنية التى قامت على أبجدية حديثة للمفاهيم والأفكار والمشاعر وبعيدا عن الأبجدية القديمة للمرئيات والمدركات الحسية الملموسة.

 

وهنا يبرز سؤال مهم: هل الفن حقيقة موضوعية أم ذاتية؟

بمعنى هل يجب على الفنان أن يكون "موضوعى" فى ترجمة واقعه ام يكون "ذاتى" فى التعبير عن وجدانه وأفكاره؟

ونستطيع أن نجيب بسرعة عن هذا التساؤل بان الحقيقة الفنية هى"ذاتية موضوعية" فى آن واحد

لأن الفن لو إقتصر على "الذات" دون "الموضوع" قد لا يستطيع المتلقى من الجمهور ان يدرك الرسالة الموجهة من المبدع وقد يسبب ذلك نوع من الثرثرة والغموض داخل عقل المتلقى حيث ان رسالة الفنان لابد وان تنتقل فى قوالب يعرفها الناس وتمثل بين الجميع أرضية مشتركة.

و أيضا ليس بالضرورة ان استخدام النظرة "الموضوعية" دون "الذاتية" فى العمل الفنى ان ذلك يعنى النقل الحرفى الخالى من الإبداع، وانما الحل يكمن فى إنصهار "الموضوعية" من ناحية مع "ذاتية" الفنان من ناحية أخرى.

وبهذه المعادلة المتوازنة فقط تقوم العلاقة الصحية بين المبدع والمتلقى وكلما أحكم الفنان هذه المعادلة المتوازنة كلما ادى هذا الى راحة المتلقى والتأثير فيه. فالأعمال الفنية تنجح بقدر ما تؤثر وتستثير مشاعر الجمهور وهذا لا يتم الا بالجمع بين الحقيقة الموضوعية من أشكال ومرئيات وبين الحقيقة الذاتية من معانى دفينة فى عقل ووجدان الفنان .. أى بين الواقع الملموس وبين الإيحاء.

وللإستدلال على ذلك دعونا نتصوران فنان يرسم الشمس كمجرد "دائرة" دون التعبير عن وجدانه ومشاعره الذاتيه تجاه تلك الشمس، فسوف تصبح الدائرة فى هذه الحالة غير محددة الخصائص وليس لها دور وقد يتوه المتلقى بين التفسيرات المجردة للدائرة اهي قمر ام كرة ام بالونة ام برتقالة؟!.

 فما لم يضع الفنان بصمته ومشاعره ورؤيته على هذه الدائرة فهو لا يحقق فنا وانما ينتج اشكالا مجردة بلا معنى ولا هدف سوى نوع من الإدعاء والتعالى.

 

ويجدر بك أن تتسائل هنا..

أى مشاعر تلك التى ينقلها الفنان التشكيلى؟

انها بالتأكيد ليست كتلك المشاعر التى ينقلها لنا الشاعر أو الموسيقى أو الراقص، لأن مشاعر الفنان التشكيلى تتعلق بمعانى الأشكال التى يرصها ويحاورها وينظم بها تكوين عمله الفنى فوق سطح اللوحة.

ولهذه المشاعر "أدوات" تحركها و"قواعد" تنظمها و"لغة" تنطق بها و"معنى" يدل عليها.

 

ولو وصفنا طبيعة كل شكل ومعناه بشكل مستقل ومنفرد خارج نطاق اللوحة لكان ذلك وصفا جزئيا ومسطحا.

لأن الشكل يأخذ معناه وذاتيته وتأثيره من خلال السيناريو أو الإطار الموضوع فيه داخل العمل.

 

فمثلا إذا تناولنا شكل "المقعد" منفردا وكذلك شكل "القمر" و"الرجل" و"النافذة" لن يوحى لنا ذلك شيء يذكر لأنها خالية من المشاعر، وإنما عندما تترابط تلك الأشكال داخل مسطح اللوحة وبإيقاع والوان وتأثيرات خاصة يضع فيها الفنان بصمته الذاتية، يطل المعنى والمضمون ويكتسب الشكل قيمته ويسهل للمتلقى التعرف على ايديولوجية العمل الفنى، كيف يفكر الفنان وما هى فلسفته ورؤيته الخاصة: وبهذا نرى المشهد متكامل.. وقد نشعر حينئذ أن "الرجل" الجالس فوق "المقعد" أمام "النافذة" المطلة على "القمر" حزينا أو متأملا أو مفكرا أو ساكنا الخ.. حسب الرسالة والمضمون الذى يقصده الفنان ويلخصه فى لحظة واحدة مكثفة جامعا بين "الموضوعية" و"الذاتية".

وقد يفسر ذلك ما سبق وأشرنا اليه فى تعريف الحقيقة الفنية بأنها "ذاتية وموضوعية" فى آن واحد.

 

وقد يكون الجهل بنظرية الموضوعية والذاتية تلك فى الفن التشكيلى هو المسئول عن وقوع المتلقى والدارس للفن فى فخ "الإستغراب" أو "النفور" أو الإحساس بصعوبة قراءة الأعمال الفنية.

 

وما يقع فيه طلبة الفنون من تضليل هو فى "الخديعة" التى يشعرون بها حينما يفسرون العمل الفنى المعروض أمامهم من ذاوية "الموضوعية" الناقلة للواقع الحرفى فقط دون أن يجتهدوا بوعى وتأمل للبحث عن إنفعالات الفنان "الذاتية"، فبصرف النظر عن محتويات العمل سواء هو جسم بشرى أو حيوان أو آنية زهور، فانفعالات الفنان هى التى تشكل العلاقة والرسالة والإنطباع وتمثل رؤيته الذاتية والفريدة التى قد تختلف عن رؤية فنان آخر لنفس ذات العناصر المستخدمة فى اللوحة.

 

فلكل فنان رؤية جمالية ذاتية.

ولكل فنان مدخل جديد للتعبير عن واقعه الخارجى.

 

نصل بهذا أن الفن التشكيلى فى القرن العشرين أصبح أكثر وعيا بالحقيقة الفنية وطبيعتها على أساس انها ليست "تقليدا" للعالم الخارجى بقدر ما هى "أفكار" و"انطباعات" و"إبداعات ذاتية".

ولكن..

يظل عالمنا العربى على شواطئ ساخنة وقضايا شائكة لمفاهيم مختلطة حول:

"التذوق الفنى" و"التربية الفنية" و"قضايا الحلال والحرام فى الفن" و"مفهوم إستخدام الفن التشكيلى كعنصر أساسى فى الديكور" وإنصراف المجتمع العربى عن معارض الفن التشكيلى" و"سيطرة ثقافة القبح"....

وغيرها من المفاهيم والقضايا ... تحت الدراسة والجدل ...

عودة

 

 

 

 

 

 


Home
Gallery 1
Gallery 2
Gallery 3
Gallery 4
Gallery 5
Gallery 6
Gallery 7
Gallery 8
Gallery 9
Biography
Press Photos
Articles arabic
Posters
Slide Show
Contacts

CD Catalog


EDWARD LAHOUD
PAINTINGS